بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جراء التفجر المعلوماتي الضخم، واجتماع العالم كله في برنامج واحد وحيث يصبح الشخص موجودًا على جهاز كل بشري على وجه الكرة الأرضية –وأجهزة المخلوقات الفضائية ربما-؛ أصبح من السهل جدًا عولمة الأمور وقولبتها. صار من الشائع وجود معايير معينة للشخص الناجح، ومعايير للشخص السعيد، أخرى للشخص الإيجابي الاجتماعي وأخرى للمنطوي. فالناجح: يجب أن يكون ذو وظيفة مرموقة توفر له حياة كريمة، أسرة سعيدة مكونة من زوجة ناجحة جميلة متعاونة، أطفال مهذبين مثقفين، منزل كبير، قدر من المال، ذو صلات اجتماعية واسعة، وصاحب هواية مدهشة. واو!
وهذا مجددًا قد يعزو إلى حاجتنا للتصنيف كمتلقين؛ – هذا شخص ناجح يمين، شخص فاشل يسار- ليساعدنا هذا في اتخاذ قراراتنا، وتحديد مشاعرنا اتجاه هذا الشخص. حيث أن الانسان مخلوق معقد وعميق، نحتاج لصورة نمطية لكل شخص في عقلنا حتى نتعامل معه بشكل أسهل وأسرع. (كم شخص منكم يكره أن يتلقى معروفًا من شخص لا يحبه؟ لم؟ لأنه عندما يقدم لك معروفًا يجعل صورته في عقلك رمادية، هذا الفعل الجيد بعثر الصورة السوداء. أنت الآن لا تعرف هل يجب أن تكرهه أو تحبه؟ على أي أساس تتصرف معه؟) وكـأفراد من الجهة المقابلة لنسهل علينا طريق الوصول. لكي أصبح شخصية ناجحة يجب أن أقوم بـ كيت وكيت وكيت. لو أنهيت هذي النقاط السبعة جميعها فأنا شخص ناجح وإلا ما النجاح؟
وكشيء طبيعي جدًا كان للجمال من التنميط والقولبة نصيب الأسد. فالبشر يتفننون في قولبة الجمال بحرفية عالية. ورغم أن الجمال نسبي بشكل كبير فما تجده باذخًا في الجمال قد يجده البعض قبيحًا وهذا طبيعي. فذائقتنا تعتمد على بيئتنا الجغرافية والإجتماعية، عاداتنا وتقاليدنا، ثقافتنا الدينية، اطلاعاتنا الشخصية، …. الخ. وقد تلحظون هذا في اللوح الفنية القديمة أو الصور الفوتوغرافية من مختلف البلدان حيث تُصور الجمال بشكل مختلف تمامًا عما نعيشه اليوم. لكن مع وجود شبكة الانترنت حاليًا ووسائل الإعلام التقليدية قديمًا (التلفاز، الصحف، والمجلات) صار تعليب الجمال سهلًا جدًا فأصبح الجميع نسخة من الآخر.
بدأ مفهوم قولبة الجمال في عقلي يتكون في سنتني الثانية في الجامعة، كنت أجلس مع مجموعة من الفتيات حيث كن يتحدثن عن شاب من محيطنا الاجتماعي القريب حيث يعمل في الاعلانات كعارض. لم أكن أعرفه، بيد أنهن كن يتحدثن عن كونه قد ارتبط بفتاة من عائلته وكان تعليقهم:” يقولون أنه أحلى من خطيبته بواجد” استفزني الموضوع قليلًا؛ بأي حق يحكم أي شخص على أشخاص من أشكالهم، ومن نكون لنقيم مظاهر الأفراد ونصنفهم تحت عناوين : جميل، قبيح! الطريف أنني اكتشفت لاحقًا أنني أعرف خطيبته شخصيًا، والتي بالمناسبة في نظري –حقيقةً لا من أجل النشر- جميلة جدًا ما شاء الله!
نمت الفكرة في عقلي وصرت ألحظ تعليقات الناس بشكل أكثر عمقًا، اقرأ الاعلانات وأشاهد المحتوى بشكل أكثر دقة؛ حيث اكتشفت كيف أننا وبسخافة نمارس التنمر يوميًا ونعطي لأنفسنا حق التعبير في أمور لا دخل لنا فيها. وخلال التدوينة سأعرض بعض صور قولبة الجمال كفواصل جمعتها فقط فقط خلال 3 أيام من تصفحي للإنترنت. سأمحو أي معلومات تتعلق بأي شخص له علاقة بالمحتوى من باب أن المقصد فقط أن نرى كيف تأثرنا جميعًا بهذا المفهوم. ولا أعني به ابدًا الاساءة، التشهير بأي شخص وجماعات. وحيث حقوقهم محفوظة لحديثهم فلا أنسب أيها لنفسي.
ما الأمر الذي جعلني أقرر أن أتكلم –بالإضافة لكوني أحب الثرثرة بصوتٍ عال-؟ هو مقرر “مدخل في علم تقويم الأسنان” حيث درسته في السنة المنصرمة للمرة الأولى. وفيه أخبرنا الاستاذ أن حسب بعض الاحصائيات: يملك فقط 30% من الناس –عالميًا- ما يسمى بإطباقه الاسنان المثالية الطبيعية. وأذكر أني التفت لصديقتي هامسة: إذا 70% منا مختلفين على أي اساس قالوا الـ30% طبيعية؟ وخلال السنة بطولها في هذا المقرر -خصوصًا- وغيره كنا دائمًا نتكلم عن “شكل” ابتسامة الشخص وشكل فكه وتأثير ذلك على حالته الاجتماعية والشخصية وأن من يعاني من كيت تجده غالبًا خجولًا ولا يحب الحديث، ومن يعاني من كيت يسعى دائمًا لطلب ذاك الأمر “ليصحح” من مظهره. وطبعًا درسنا الكثير الكثير فيما يتعلق بتجميل الابتسامة بدءًا بالتبييض، وانتهاءً بالعمليات الجراحية. وهذا الكم الهائل من العلم صار يخدم بالاضافة إلى كونه لمعالجة الامراض والوقاية منها؛ التجميل –حسب المعايير الموجودة في كل منطقة ومكان-. ابتسامة هوليوود، تقويم الأسنان، سد الفراغات، عمليات الفك، وغيرها. وهذا منطقي في كل عمل، وتجارة أن تلبي حاجات المجتمع الذي يصنعها المجتمع ويروج لها الإعلام.
ماذا أقصد بقولبة الجمال\أو تنميطه؟
وضع معايير محددة للجمال مما يجعل الأفراد تحت ضغط اجتماعي مزيف يؤثر على حياتهم وقراراتهم. وصدقوني أني لا أبالغ حيث سمعت وعرفت عن أشخاص شخصيًا يستخدمون مكواة الشعر يوميًا على شعور بناتهم –أصغر من 12 سنة- لأن الأم بدأت المبادرة في المناسبات الكبيرة حتى صارت البنت لا تشعر بالثقة ولا أنها جميلة إن لم تفرد شعرها المجعد. فتاة ذات بشرة فاتحة اللون علمتها والدتها أن تستخدم كريم تبييض بشكل مستمر حتى تضمن عدم تغير لون بشرتها الجميل. طفلة تسمع “ أنتِ مشعرة” وأخرى تضطر تجرب الحلاوة المؤلمة عشان تنزع شعر جسمها وتصير “جميلة”. بعض الفتيات الصغيرات في سن المراهقة يتبادلن الطرق والوصفات الغريبة من أجل تنعيم الشعر وازالة حب الشباب، تبييض البشرة، وتنحيف الخصر. سؤال: ماهو الجيل الذي نربيه ونحن نزعزع ثقته بشكله الطبيعي ونضع عليه الضغوطات المزيفة هذي التي يضطر ليتحملها حتى يحصل على استحسان الآخرين؟ حقيقةً من نتوقع من هذ الجيل؟ كيف نتخيل أن يصبح؟ نحن ندمر الجيل الحالي بهذه القولبة. كيف صارت القولبة جزءًا منا؟ وأقول جزءًا منا لأن الموضوع صار طبيعيًا؛ طبّعنا القولبة حتى صرنا لا نُدرك أثرها العميق فالأهل لا يستقصدون زعزعة أطفالهم بذلك، بل أحيانًا العكس يعتقدون أنهم يحمونهم من سلاطة ألسنة الناس.
ما الذي طبّع القولبة؟
1- الأعلام : وهم الحقيقة
أقوى مؤثر في العالم حاليًا هو الاعلام بجميع صوره ووسائله. نحن نستقبل المئات والمئات من المعلومات يوميًا. وعندما تتشبع بالصورة النمطية لشيء ما، تبدأ في تقبلها كحقيقة. وبالضبط كما المثل الشعبي الشائع بنسخته اللطيفة “التكرار يعلم الشطّار” أثبتت الدراسات أن تعرضك لمعلومة ما بغض النظر عن صحتها يجعلها أكثر قابلية لتقبلها كحقيقة. وتكرارها مرارًا يجعلها تبدو أكثر مصداقيةً بالنسبة لك بالمقارنة مع قريناتها.
ظهر هذا المفهوم منذ 1977 في دراسة كانت نتيجتها أن الناس عند تعرضها لمجموعة كبيرة من المعلومات التي تجهلها فهي تصدق المعلومات التي قامت بالتعرض لها بشكل أكبر. دراسة أحدث في 2015 أثبتت أنك وإن كنت تعلم المعلومة الصحيحة فإنك تحت تأثير التكرار قد تصدق المعلومة الخاطئة. هذا المفهوم يسمى Illusory truth effect- أو وهم الحقيقة لو صحت ترجمتي. مدهش ومخيف صحيح؟ تخيلوا كيف يمكن للإعلام أن يُشكل ويقولب مفاهيمكم –نظرية المؤامرة؟ هههه!- كمثال بسيط: لو رأيت 5 اعلانات في اليوم لشركة صابون معينة، ثم توجهت للمتجر لتشتري صابون فرأيت 5 أنواع لم تعتد على استخدامها واحد منهم هو ذاك الصابون الذي ظهر في الاعلان. أنت ستختار هذا الصابون لأنه الأقل “غرابة”.
هكذا هي المفاهيم الجمالية، نحن نتلقى الجرعات ببطء. هل تتوقعون الشباب الذين يطلبون أن تبحث لهم والدتهم عن خطيبة “بيضا وطويلة ونحيفة” جاء من فراغ؟ الإعلام. عارضات الإعلانات، الممثلات الأجنبيات، الخ. أيضًا الفتيات عندما تغطي كل حبة شباب في وجهها وكل إلتهاب بسيط أحمر بطبقات من مساحيق التجميل، لم؟ الاعلانات التجارية التي تحارب الحبوب لتحصلي على بشرة صافية كالحرير، اعلانات مساحيق التجميل المتعددة والتي تضمن لك مظهرًا “طبيعيًا” وبكفاءة اخفاء عالية، دروس المكياج التي تقدمها الشركات وخبيرات المكياج في تحويل المظهر. تخيلوا كمية المعايير في الاعلام. كريمات تفتيح بشرة –وربما عند غرب الكرة الارضية فنجد اعلانات تسمير البشرة-، كريمات اخفاء الهالات والتجاعيد وشيب الشعر وكأنها ليست جزء من عمر الإنسان وحياته وخبراته، زيوت الشعر التي تجعله ينساب كالحرير، الرموش الكثيفة، الشفاه الممتلئة. الإعلانات كلها تصنع حقائق مزيفة.
وحاليًا البرامج المتخصصة في نقد “شكل” الفنانين والفنانات في المناسبات والاحتفالات كالأوسكار وغيرها. فتجلس مجموعة لتنقد الممثلين والممثلات/ تسريحة الشعر وكمية المكياج، وكيف أن الفستان لا يناسبها ولا يناسب المناسبة، كيف تكلفت أو كانت بسيطة، كيف أنه ربطة عنقه مضحكة أو ذاك يبدو فاتنًا بغض النظر عما يلبسه. هذه البرامج تعطي حق الطعن في الشخصيات المشهورة وكأنهم موجودون ليرضون ذائقة الناس؛ وأساسًا مو أهم اللي عرضوا أنفسهم للإعلام؟ عادي أجل يستاهلون!. وبالطبع نحن نرى هذا النقد اللاذع للممثلات اللاتي يحصلن على عناية على يد أشهر وأمهر خبراء التجميل، فكيف بك وأنت في بيتك بميزانيتك المحدودة؟
الأفلام والتنميط. عدد الأفلام والبرامج المرتبطة بفتاة لا تهتم بشكلها أو أنها قبيحة ثم تتحول إلى جميلة كبير جدًا! وغالبًا ما يرتبط تغيرها إلى الأجمل مع استحسان المجتمع أو تطور حالتها الاجتماعية والوظيفية. أساسًا لو قمتم بالبحث عن صور قبل وبعد بأي لغة ستجدون أن صور قبل –غالبًا- مرتبطة بـحب الشباب، شعر مجعد، سمنة، أو نحافة شديدة، أو غالبًا دون مكياج. فدائمًا ارتبطت صور (قبل) كصورة سلبية فأي فتاة\فتى مصابون بحب شباب في وجههم ويرون صورة قبل بحب شباب وبعد بدونه –سواء نتيجة لعلاج ما أو تجميل- سيشعرون بأن حالتهم يجب أن تتغير، لتبدو أفضل!
وبمناسبة الحديث عن ذلك، هنالك امرأة ما قررت أن تعكس المعادلة فنشرت على الفيس بوك صورة لقبل وبعد لها ولكن بصورة مختلفة عما يتصوره الناس، كانت حالتها (قبل) هي “الاجمل” في نظر المجتمع، حيث تظهر في صورة (بعد) آثار الأمومة وتعبها وإرهاقها. دونت مشاعرها اتجاه نفسها وكيف أنها تتقبل نفسها كما هي وأنها في صورتها الحالية هي أفضل نسخة موجودة منها، وأن حياتها هي شكلها هذا. كانت سبب إلهام للكثير، وتعرضت في ذات الوقت لتنمر كبير.
نحن نشاهد الإعلانات، نرى المقالات، نشاهد الدروس في كيف تبدو الطويلة أقصر والقصيرة أطول، كيف يبدو أنفك أنحف ووجنتاكٍ أكثر امتلائًا، دروس لنحت الجسد والوجه، دروس للملابس المناسبة للجسد الكمثرى لتبدو الساقان أنحف وغيرها للتفاحة والموزة والعنب والتوت، ما النظارة المناسبة للوجه المربع ليبدو أقل حدة والدائري ليبدو أقل استداره، ما قصة الشعر التي تناسب الشعر الخفيف ليبدو أكثف، والكثيف لكي لا يبدو منكوشَا. كيف تزيدين سمرة بشرتك كقبلة الشمس، وكيف تخففين سمرة يدك. كيف تخفين هالاتك لتبدين مشرقة أكثر، كيف تضعين مساحيق التجميل بطريقة –مكياج-البدون-مكياج- لكي تكوني جميلة بالطبيعة. الانترنت يزخر بالنصائح التي تشعرك بأن شكلك الحالي ليس هو الصحيح، ويجب أن تصححي كل شيء و”تخفي العيوب”. هذا كله مو قولبة للجمال؟
2- المقارنة، ضغط الأقران، ونظرية القطيع
وبالإضافة للإعلام ومع الضغوط الاجتماعية التي وإن حاولنا مقاومتها ففي النهاية ستؤثر علينا بشكل أو بآخر حتى ولو كان من باب “خلاص فكونا، شتبون؟”. وكما يقول العالم هاملتون في نظرية القطيع؛ فالناس الأقل مركزًا دائمًا ما يعمدون لسلك سلوكيات من هم أعلى منهم مركزًا أو الأكثر عددًا. وبما أن الناس الذين يظهرهم الإعلام دائمًا ما يظهرون بصورة تقريبًا واحدة، أو أن المجتمع له عادةً سلوك واحد شائع فيجد الفرد أحيانًا نفسه منساقًا لذات التفكير والسلوك. من الصعب أن تظهر مختلفًا وهذا أمر طبيعي، المشكلة عندما يكون السائد خطأ من يبدأ؟ حقيقةً ألهمتني مغنية مشهورة أجنبية لم أعرفها قبل ذلك لكنها لفتت انتباهي في مقطع في أحد البرامج لأنها لم تكن تضع أي مساحيق تجميل على وجهها وكان شعرها طبيعيًا جدًا –شعرها مجعد-. بحثت عنها فوجدتها فعلًا تظهر دائمًا دون مساحيق تجميل. ايضًا كما اشتهر ستيف جوبز بأنه يحب البساطة في ملابسه عند ظهوره، كذلك يرتدي الموسيقي ياني ذات الطابع، وأيضًا سامي يوسف. من لا يتقيد بمعايير الاعلام موجودون، لكنهم قلة!
ما نتائج قولبة الجمال؟
زعزعة الثقة، والتنمر
الكثير والكثير من الناس المدمرون نفسيًا، المنطوون إجتماعيًا بسبب مظهرهم الخارجي والذين يظهرون في كل مكان في وسائل الإعلام، في قصص العيادات، وفي قصص الإنتحار، الذين يعرضون في برامج “تغيير الحياة” التي تعرض في ذات القنوات التلفزيونية التي تقولب الجمال. كلهم جاؤوا ضحية لـهذا الفراغ التافهة حيث الأشكال هي محط الاهتمام والانظار، حيث يحق للجميع دون استثناء أن يحكم عليك، على لون جلدك، وشكل شعرك، وزركشة ملابسك. الجيل الجديد الذي يحاول بقسوة أن يتقبل نفسه ويحارب الجميع لكي يظهر بطبيعته أو أن “يجملها” لم يكن يحتاج هذا الجهد كله لو لم يكن للجمال صورة واحدة ولون واحد. مقاطع اليوتيوب كثيرة جدًا لأشخاص يتكلمون فيها عن عمليات التجميل التي قاموا بها لأنهم كانوا يكرهون أشكالهم، وأغلبهم كان يبكي وهو يتحدث، لم؟ لأنهم ضحية تنمر المجتمع.
وهنا السيئة الأخرى التي نعاني منها بسبب تنميطنا للجمال. التنمر على أرض الواقع وفي الانترنت حيث يرسل من يريد ما يريد لأي شخص في العالم وهو مستلقي على سريره حيث ينام بعد خمس دقائق وضحيته قد تبكي أيامًا بسبب حديثه. التنمر يأتي حتى من الأطفال على بعضهم البعض، أتذكر عندما كانت ابنة اختي في الروضة حيث تسمع البعض يقول “شعر فلانة مو حلو” فتحكي لي، فأجلس معها لأصحح هذا المفهوم. الأطفال منذ طفولتهم يمارسون التنمر ولو لم يستوعبوا الفكرة فسيكبرون ليصبحوا مثل الجبناء الذين يعلقون ببلاهة على أشكال الناس في الانترنت. ذات الامرأة التي نشرت صورة “قبل وبعد بالمقلوب” تلقت الكثير من تعلقات التنمر: اقتلي نفسك، زوجك ابله لو بقي معك وانتٍ بهذا الشكل، بقرة سمينة،…الخ! كيف وصلنا لهذا الحد؟ قصص الانتحار من المراهقين بسبب تنمر على أشكالهم، كيف جاءت؟ تعرضهم للاكتئاب والعزلة ورغبتهم في الهرب أو تغيير أشكالهم؟ كل هذا نتيجة لماذا؟
ليزي فيلاسكيز تعاني من مرض نادر ، قد وجدت في مراهقتها فيديو فيه صور لها على شبكة الانترنت عُنون “أقبح امرأة في العالم” حيث يسخر من شكلها وكانت التعليقات تحرضها للانتحار بسبب شكلها “الغريب”. ليزي استطاعت أن تقاوم التنمر، وتفرض نفسها على المجتمع حيث صارت كاتبة، ومتحدثة ملهمة. بعد 10 سنين هي الآن من أكثر الناس تأثيرًا على المجتمع. لكن؛ دعونا نتكلم بصراحة، ليس الجميع بقوة ليزي، ومن الأساس يفترض ألا يحتاج الناس لقوة هائلة وعزيمة قوية من أجل أبسط حقوقها وهي أن تظهر بشكلها كما تريد متى ماتريد بدون حكم أو ضغوطات من المجتمع.
شخصيًا
ولدت طفلة سمينة؛ حتى أن قسم الملاحظات في شهادة تطعيماتي كانت تحوي عبارة “big baby/طفل كبير”. والدتي تقول أني كنت “اهجي” وهذي كلمة في لهجتنا تعني -في هذا السياق تقريبًا- أن النتيجة النهائية تساوي المجهود الذي بُذل.
كنت في فترة الطفولة وحتى قُبيل المراهقة أميل لكوني صاحبة وزن زائد؛ حتى أن والدتي كانت تراقب طعامي جيدًا -لأن الجبنة السائلة المليئة بالدهون كانت وجبتي “الخفيفة” المفضلة- وتحرص على أن أمشي معها ووالدي في الليل حول الحي.
كبرت وتجاوت هذه المرحلة والتي لم أكن حقيقًة استشعر فيها أني في مشكلة. في فترة المراهقة كان لي حاجبان كثيفان -وبالرجوع للصور لم يكونا بتلك الكثافة بيد أن الموضة في ذلك الوقت كانت الأرفع؛ الأجمل– ولم أكن اشعر مجددًا أنها مشكلة لأن والدتي كانت تخبرني أني لست بحاجة لأي تدخل لتحسين شكلهما. حتى حدثتني زميلة في الفصل لا تجمعني معها علاقة قريبة أبدًا: بيان أنا اعرف ان النمص حرام، بس أتوقع في بعض الحالات لو كان الأمر يستحق مثلك يصير جائز. هذي كان صفعة في وقتها. كانت أحيانًا تصلني بعض التعليقات من هنا وهناك بطرق لطيفة جدًا أو كمزحة سخيفة. مجددًا ورغم أني جُرحت إلا أنني لم أكن أعتقد بثقل المشكلة لأن والدتي تخبرني مجددًا أني لست بحاجة لأي تدخل.
أول سنة جامعة كانت سنة حرجة؛ مرحلة جديدة، مختلف الشخصيات من مختلف الطبقات، ومختلف الأوان والأشكال. لم أكن بذلك التعمق في عالم المكياج ولم ابدأ بذلك حتى دخلت الجامعة وابحرت في عالم اليوتيوب فكنت أقضي الساعات والساعات في متابعة مراجعة عدة شخصيات على ماركات المكياج والمقارنة بينهن. وصرت شيئًا فشيئًا أكون مجموعتي الكبيرة من ادوات الزينة. وصرت أستمتع في وضع المكياج وصرت أتعلم كيف أنحت وجهي وأصغر وأكبر وأجرب. استمر ذلك كله لمدة سنتين فكنت اضع المكياج في الجامعة بشكل شبه يومي -لم أكن ولن أكن يومًا ممن يضع الكثير فحتى في ذروة اهتمامي بالمكياج كان هدفي الأول اخفاء الهالات والحبوب والاحمرار-، الهدف أن يظهر شكلي “طبيعي” …….وبعدها توقفت. شعرت أني أركض وراء سراب وشعرت أني لن أتوقف. وبدأت استوعب مفهوم الجمال. في سنتي المنصرمة توقفت عن وضع أي شيء تجميلي على وجهي في الجامعة فكنت أذهب بوجهي سواءً كان صافيًا أم مليئًا يالحبوب التي تظهر في وقت التوتر. حتى أن إحدى الاساتذة والمعروفة بصرامتها الشديدة سألتني متعجبة: ماذا حدث لوجهك؟ حيث كان وقت اختبارات وظهر في وجهي مايظهر من حبوب، ضحكت وقلت لا شيء، توتر! حاليًا اظهر في مناسبات اجتماعية دون أن أخفي “عيوبي” من هالات وحبوب لأني حقيقة أحيانًا أعلم أنني أريد معالجتها وأن وضع المزيد من المواد الكميائية عليها لأخفيها سيزيد الوضع سوءًا، وهذه الساعات القصيرة التي سأقضيها مع الناس لأبدو “أجمل” لا تستحق الكم المضاعف من العناية الذي سأقوم به بعد أن أعود للمنزل. في العيد المنصرم لبست شيئًا لم يعجب أمي ولا أختي بعد استشارتهما قبل شراءه، لكنني أحببته فلبسته، –وأعجبهم في النهاية ههاي!- لأني الآن آكل ما يعجبني وألبس ما يعجبني ايضًا. أنا أضع المكياج عندما أرغب بذلك، ولا أفعل عندما لا أشعر أنني أريد. صرت أسمع صوتي أنا مو صوت الناس. حاليًا أنا متصالحة جدًا مع نفسي لأني ناضجة.
لكن ما الذي جعلني طوال فترة طفولتي\مراهقتي متصالحة مع نفسي رغم تعرضي لتعليقات على وزني وشكلي احيانًا؟ أحد أقوى الأسباب: دعم الأسرة، الوالدة حفظها الله كانت ولا زالت دائمًا تشعرنا بأننا الأفضل، لم تزعزع يومًا ثقتي بنفسي، فحتى لما حاولت معي أن أخفف من وزني وقت الطفولة كان من أجل أن اكون بصحة أفضل، لم تشعرني بأن “شكلي” غير جميل. لم تكن تسمح لأحد لأن يعلق على شكلي بتعليق سيء، وكانت دائمًا ما تمتص كل تعليق أسمعه لتبدله بأشياء اخرى مذهلة عني. الاسرة هي المفتاح الأول.
أتذكر أني في الصف الثالث حصلت على “سن فضي” وهو عبارة عن تلبيسة على السن اللبني عند تعرضه لتسوس كبير وبعد حشوه. فكانت والدتي قد أفهتني أنه شيء مميز، فكنت أتفاخر به على صديقاتي ( عندي سن من الفضة!) عندما أضحك ويسألونني “ماهذا”. حاليًا وعندما كنت أعالج في عيادة الأطفال؛ أحتاج أن أقنع الأم والاطفال لمدة طويلة جدًا جدًا بالتلبيسة الفضية، لأنهم عادةً يعارضون “شكله لكن يا دكتورة مو حلو”! والتعليق يأتي من الأم قبل الطفل يا جماعة!
الرسالة
تنهيدة، أن نتوقف!
نتوقف عن تنميط الجمال، وقولبته. نتوقف عن الاهتمام بآراء الناس كثيرًا حتى ننسى رأينا. نتوقف عن أطلاق الآراء التي لا فائدة منها سوى التدمير!
دعوا الناس تمارس الرياضة لتكون أصح، لا لتكون “أجمل”. دعوا الناس تضع مساحيق التجميل لأنها تريد ذلك ،لا لأنكم لا تريدون رؤية حب شبابها أو ضيق عينيها. دعوا الناس يتنفسون وأن يخرجون من منازلهم دون أن يقلقوا يشأن رأيكم في شكلهم كيف يبدو.
ادعموا أطفالكم، أرشدوهم وعززوا ثقتهم بأنفسهم، أمدحوهم ولا تدخلوهم في هذه الشبكة العملاقة النتنة.
تقبلوا أنفسكم، ركزوا عليها، تعايشوا معها وتصالحوا.
عيشوا وخلو الناس تعيش!
تحية
بيان علي.
تنويه:
– كتبت غالبًا عن المشاكل التي تتعلق بالفتيات كوني فتاة، وأهل مكة أدرى بشعابها. لكن الرسالة للجميع.
– طبعًا الصحة، والنظافة لا جدال فيهما. المقصد في التدوينة التغيرات التي جاءت اثر ضغوطات المجتمع.
– لا أحارب المكياج ولا النحافة ولا تمليس الشعر. أنا أحارب أن يكون دافع الشخص هو نظرة المجتمع. ضعوا المكياج، انحفوا، ملسوا شعركم.. عشانكم أنتوا مو عشان أحد ثاني.
– شاركوا التدوينة لو تعتقدون أنها رسالة مهمة تحتاج توصل لأكبر عدد. أنا أعتقد بهذا. واستخدموا هاشتاق #قولبة_الجمال لنشر أفكاركم!