شهر في العيادات


“صباحك نورٌ

و قلبي الشجي

و هذا الزمان الشقي المكدر

صباحك للحزنِ

يشفي

مصابٌ

و يروي البراري إذا ما تصحر “ صباح الحكيم.

بسم الله الرحمن الرحيم

تحية طيبة، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

هذا الصباح، ورغم أنه صباح متأخر يخالف عادتي في آخر بضعة أيام، قررت أن أكتب هنا ولربما لن تُصدّر هذه التدوينة صباحًا لكن يكفيها أنها كتبت بجوار كوب الشاي وبيضة الافطار.

مضى شهر واحد –ويزيد- على بدء السنة الدراسية، وإني في هذه السنة ولله الحمد والمنة في السنة الرابعة في طب الأسنان. ولمن لا يعرف نظام الدراسة في هذا التخصص، فإننا نبدأ بعلاج المرضى في هذه السنة في عدد من الأقسام تحت إشراف الأطباء الأخصائيين والاستشاريين. وبذلك فإننا نختلف عن بقية التخصصات الصحية وربما نعزو ذلك لحاجتنا لاكتساب المهارة اليدوية خلال الدراسة لنكون قادرين وبالمهارة المطلوبة على الممارسة بعد التخرج.  ولأن المرحلة تمامًا مختلفة عما اعتدنا عليه من وجودنا في المعمل وتعاملنا مع رأس دمية لا تتألم ففي بداية الأمر عشنا تحدَيًا نفسيًا شديدًا. أو على الأقل أنا عشت.

الاختلافات والتحديات رغم بساطتها إلا أني كنت أشعر بالمسؤولية اتجاه كل خطوة مع كل مريض –رغم أني يا اصدقاء لا زلت متأخرة كثيرًا في عدد المرضى مقارنة بالكثير وهذه قصة أخرى-

دراستنا لكيفية أخذ التاريخ المرضي بكل دقة لأن كل معلومة قد تغير في خطة العلاج واهمال معلومة قد يسبب عواقب وخيمة، أصبح الآن حقيقة. حيث أننا من شدة دقتنا في أخذ التاريخ المرضي أحيانًا أشعر بأن المرضى ينظرون لي بنظرة” ما بالك لا تفقهين وتسألين عن ذات الشيء بطرق مختلفة؟”  العملية طويلة في أخذ معلومات المريض والحصول على موافقته قبل البدء بالعلاج لذلك الحاجة لتلطيف الجو وكسر الجمود مهمة جدًا ليستمر المريض في تعاونه ولأن الجو البارد هذا يزيد التوتر في عيادة الأسنان.

مشاعرنا بشكل عام كانت في مستوىً محايد لفترة طويلة مع وجود بعض ارتفاعات وانخفاضات جراء أحداث يومية معينة مع عوائلنا أو اصحابنا. نادرًا ما صرنا نقهقه بصوت عالي على طرفة ما، فأقصى ما يمكن أن نفعله هو أن نضحك بتكرار حرف الهاء لتشغل حيز سطرين من محادثة كتابية مع صوت ضحكة مكتومة حتى لا نبدو غريبين ونحن نضحك مُبحلقين بهاتف محمول. قليلًا صرنا ما نُدهش! قبل العيادات لا أتذكر متى أدهشني شيء ليجعل بؤبؤي عيني يتسعان على أقصى حد، لا أتذكر. لفترة طويلة ومشاعرنا نحن تكون موزاية أو تطغى على مواساتنا للآخرين، فنحن مهمون بقدرهم إلا في بعض الحالات المعدودة. دخولي للعيادات أعاد لمشاعري الكثير، عندما أدخل العيادة نادرًا ما أخطر ببال نفسي، فكمية المشاعر والأحداث والعواطف الموجودة في العيادة كفيلة بأن تنسى نفسك. أن تضحك لخفة ظل المريض رغم أن الكثير يجثو على صدرك، أن تستمع بألم لشكوى كبيرٍ في السن رغم أنك كنتَ صباحًا متحمسًا وسعيدًا لحدثٍ مهمٍ جدًا. أن تركز فيما تفعل وتستجمع كل طاقتك في مساحة سطح سن صغير محاولًا بأقصى ما تملك أن تُحافظ عليه وألا تحوج المريض لعملية أكثر تعقيدًا، رغم أن معدتك متوعكة صباحًا. أن تعتذر ألف مرة وأنت تعطي المريض أبرة مؤلمة، أن تلتمس العذر ألف مرة لطول العملية، وتشكر المريض ألف مرة لحضوره في الموعد. وبعد أن تخرج من العيادة تتنهد، وتتذكر نفسك مجددًا وما لك وما عليك.

أتذكر عندما أخرج الطبيب الاستشاري أمامنا كيس مرضي (cyst) كان يؤذي المريض، شعرت بالدهشة كما لم أشعر منذ أبد. أتذكر عندما خلعت أول سن لمريض كان يؤذيه كثيرًا كيف شعرت بالسعاذة والانتصار والراحة. الانجاز بعد أن أزلت كل التسوسات من سن مريض فلم أترك بقع سوداء مؤذية تنخر في السن مرة أخرى. أن تشعر بالسعادة عندما تعلم أنك أصبحت قادرًا على القيام بالعملية كاملة من بدايتها بأخذ التاريخ المرضي ومرورًا بكل العمليات الدقيقة وحتى تنظيفك للعيادة بعد خروج المريض وكتابة التقرير في ملفه.المشاعر في العيادات كالأفعوانية طوال اليوم، ولا أقول أن ذلك سيء، أبدًا! فكل يومٌ يعد تمامًا مختلفًا عما يسبقه. ولربما هذه العواطف الجياشة مؤقتة ومع التعود على الجو العام للعيادات قد تنطفي وتختفي ويحل مكانها الروتين إلا أنني أدعو ألا تنام.

مدة المحاضرات والدراسة النظرية تعد قصيرة جدًا مقارنة بالعمل في العيادات، فمثلًا في يومٍ دراسي يبدأ من الثامنة صباحًا ولا ينتهي حتى الخامسة، قد نجلس في الفصل الدراسي ساعتين فقط للدراسة النظرية. رغم أن موادنا الدراسية الأكثر عددًا في هذا الفصل الدراسي بالمقارنة بجميع الفصول في دراسة طب الأسنان، عشر مواد. أتذكر أنني ضحكت في نفسي عندما سألتني أحدى المريضات وكانت الساعة التاسعة:” متى يبدأ الدوام؟” فأجبت:” 8 صباحًأ” فقالت:” ومتى أجل تروحون للعمل؟” –يعني العيادات- غريب ومضحك لو أني فكرت بالعيادات كـعمل.

خيبة الأمل لها نصيبها في هذه السنة، فنحن مطالبون بعدد من الحالات لنقوم بعلاجها في كل مادة، والبحث عن مرضى يعد من مسؤولياتنا. لذلك فإننا نسجد لله شكرًا في حال وجدنا مريضًا وقمنا بتسجيل الموعد له. وفي ليلة الموعد أو قبيله بساعتين أو ساعة تصلنا الرسالة” أعتذر عن الحضور” فنسقط من فوق ناطحة سحاب بحماسنا فـها هي فرصة تضيع أمام أعيننا ولا حيلة لنا إلأ أن نراقبها وهي تضيع. وتخرج بعدها الأجندة الخاصة بك وتعد الأسابيع المتبقية والحالات المطلوبة المتبقية وتفكر:” تُفرج إن شاء الله”.

تجربة بدأت مخيفة فهذه سنة لا تُقبل فيها الأخطاء، ومتعبة لطول الدوام ودقة العمل في العيادات، وممتعة لأن كُل يوم فيها مختلف وله قصة مختلفة.

ادعو الله أن نوفق جميعًا في اتمام دورنا الإنساني في هذا العالم وأن يكتب لنا في كل يوم خيرًا وبركة

تم في 8\ذو الحجة 1436هـ

لو أردتم مساعدتي ولربما مساعدة أحدهم وساهمتم معي بنشر هذا الإعلان، فلدي تتوفر مواعيد لخلع الأسنان، حشو الأسنان، أشعة الأسنان وللتشخيص وذلك كله مَجانًا.

وإني أسعد وأدعو الله أن يسهل عليكم أمركم لو نشرتموه، شكرًا جزيلًا

عيادات

المكان: الخبر، المنطقة الشرقية في السعودية.

بارك الله في وقتكم، وفقتم وازدهرت أيامكم بالبركة ان شاء الله.

حُييتم.

6 آراء حول “شهر في العيادات

  1. zahra nasser 26 سبتمبر 2015 / 3:53 صباحًا

    صباح الخيرات
    بيان,مشاعرك جدا جميلة حسيت إن عندك قلب الام وأنتي تعالجي المرضي
    وعلى المرضي تتسهل إن شاء لله ونشوفهم يجونا ويزيدون علينا يارب
    ان شاء لله تكوني دكتورة اد الدنيا مكافأة للأخلاصك:)

    • بَيان علي 7 جانفي 2016 / 11:32 صباحًا

      شكرًا جدًا زهراء ♥
      اسعدتيني وفاجئتيني حقيقةً بوجودك هنا ♥
      آمين جميعًا يارب

  2. M.Zarkawy 30 سبتمبر 2015 / 1:41 مساءً

    صباحكم معطر
    لربما وقعت علي مدونتك اللذيذة بمعني الكلمة عن طريق الصدفة
    واثناء بحثي عن كتاب لدكتور أحمد خيري العمر ..
    ولحسن حظي أني كنت أعمل بالرياض ومن ثم انتقلت الي الخبر في الوقت الحالي

    المدونة رائعة بطابع بناتي شيق .. ولربما نود أن نتبادل بعد الخبرات مستقبلا
    أود ان أساعدكم في موضوع الاسنان علي وجه الخصوص في الوقت الحالي :D فانا زبون دائم لديهم
    تحياتي

    • بَيان علي 7 جانفي 2016 / 11:35 صباحًا

      رد متأخر، ولكن صباحك خير
      أهلًا بك، شكرًا للطفك وكرمك
      هههههه للأسف نحن الطالبات لا نقوم بمعالجة إلا النساء، الاطفال، ومن هم أكبر من 40 سنة بالنسبة للرجال. -قوانين الكلية-
      سعيدة بردك، الله يسعدك.

  3. nana22 26 جانفي 2016 / 8:31 مساءً

    السلام عليكم . كيف ممكن اغير تصميم المدونه ب تصاميم تختلف عن الموجود .. “اتمنى فهمتي”

  4. LN. 24 جانفي 2017 / 11:51 مساءً

    اتمنى لو اقدر اعرف تجربتك لطب الأسنان بشكل عام و مفصل ، طرحك رائع و جميل ملخص وشكرا تقبلي مروري .

اترك رداً على M.Zarkawy إلغاء الرد